بقلم : محمد عطية
الأسرة وحدة بناء الأمة الإسلامية تمثل معيار نجاح الأمة
أو فشلها على المستوى العام وأساس نجاح الأسرة العلاقة الطيبة بين الآباء والأبناء، وإليك نموذج من الأسرة الطيبة المباركة،
أسرة سيدنا إبراهيم عليه السلام نتلمس فيها
قواعد العلاقة الطيبة بين الآباء والأبناء :
(1) أن تكون العلاقة ذات هدف ورسالة في الحياة يتعاون الآباء والأبناء من أجلها:
فلقد كانت المهمة الأساسية لأسرة سيدنا إبراهيم والواجب الأول لها هو حمل رسالة الله والانطلاق في الأرض بدعوة الله، فتارة تجده في مصر وتارة تجده بالشام وتارة تجده بالعراق وتارة تجده بالحجاز وشعاره الدائم ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ هذا الهدف هو الذي يجعل الأسرة متماسكة ومترابطة وصابرة ومتعاونة مهما كانت الصعاب.
(2) أن تكون العلاقة قائمة على الحب والود المتبادل بين الأب وأبنائه:
فالحب والود والعاطفة الطيبة تفجر طاقات الإبداع والنجاح في كل مناحي الحياة، وكان سيدنا إبراهيم طوال حياته محبًا عطوفًا ودودًا لولده، ولقد كان شديد الشوق إلى الذرية حتى قبل أن تأتي، وكان يحب الأبناء ويتضرع إلى الله تعالى بطلبهم: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وانظر إلى علاقة الحب والود المتبادل بين الوالد وولده، تقول الرواية: وعاد إليهم بعد غياب: “فصنع كما يصنع الوالد بولده والولد بوالده ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك الله به، قال وتعينني، قال: وأعينك، قال: “فإن الله أمرني أن أبني بيتاً هاهنا”.
(3) أن تكون العلاقة قائمة على الحوار والإقناع والمشاورة والتفاهم وليس الفرض أو العنف:
انظر إلى الأب سيدنا إبراهيم عليه السلام يناقش ابنه في كل شيء حتى في أمر الله تعالى ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ…﴾ هذا هو الأمر المطلوب… وكيفية التنفيذ: ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾، حوار رائع وعرض جميل يدفع للتعاون والقبول من ابن بار بوالديه مطيع لربه ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾، فإذا حسُنت المقدمات حسنت النتائج، فالإحسان جزاؤه الإحسان، ومن يزرع الشوك لا يجني العنب، وهذا أمر مهم في التعامل مع الأبناء.
(4) أن تكون العلاقة قائمة على التعاون والتآزر والتوجه نحو البناء وصناعة الحياة وتحويل الأسرة إلى وحدة إنتاج:
فهذا البناء الرائع المعظم عبر التاريخ (الكعبة المشرفة) هو نتاج أب وابن طائعين لله أب يبني وابن يناوله:
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (البقرة: 127).
(5) الدعاء والتضرع إلى الله بأن تنجح الأسرة في أداء رسالتها:
فكان سيدنا إبراهيم عليه السلام يتضرع إلى الله تعالى ويتوجه إليه بالدعاء أن تنجح الأسرة في أداء مهمتها: فحينما ترك أسرته عند الحرم لم يتركها بروح الغلظة والجفاء بل ذهب بعد غيابه عن أعينهم، وحيث لا يرونه استقبل البيت ورفع يديه يتضرع إلى الله بهذه الدعوات:
﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.
(6) تفقد الأب لأحوال لأبنائه وحرصه عليهم وتقديمه التوجيهات الصالحة لهم واستعداد الأبناء للاستجابة والطاعة:
يأتي سيدنا إبراهيم وهو الأب من مسافات بعيدة من فلسطين إلى الحجاز ليتفقد حال ابنه سيدنا إسماعيل ويتعرف على أحواله وأحوال زوجتة
(7) حنان الأم وحرصها على رعاية الطفولة:
– فالسعي بين الصفا والمروة رمز عظيم لرعاية الطفولة وتوضيح لمدي العاطفة القوية والجهد الكبير الذي تقوم به الأم لرعاية أبنائها، فأمنا هاجر عليها السلام بعد أن انتهى طعامها وانقطع لبنها ورأت ابنها الحبيب سيدنا إسماعيل يتشحط من شدة عطشه؛ فزعت لرعايته وظلت تسعى مئات الأمتار بين جبلي الصفا والمروة بحثًا عن ماء؛ طلبًا لرعاية فلذة كبدها؛ علمًا بأن طول المسافة بين الصفا والمروة (375 متراً) × 7 أشواط = 2625 مترًا أي ما يقرب من ثلاثة كيلو مترات.
– وكذلك حرص الأم على تربية ابنها مدة 15 عشر عامًا في غياب الأب يدل على مقدار الجهد المبذول من الأم لرعاية ابنها.
(8) طاعة الآباء لربهم تعود بالخير على الأبناء الناشئين في كنفهم: فالبركة تشمل الأبناء بسبب نشأتهم في كنف الأسرة المطيعة لله.
والتقوى تنفع الذرية
إن العلاقة بين الآباء والأبناء قد يسودها المحبة والود والاحترام والتفاهم، وقد تكون متوترة ومتأزمة لعدم وجود رابط وُدّ أو تفاهم أو حوار هادف يهدف إلى زيادة الصلة.
ولذلك فإن غياب الحوار البنّاء والفعّال بين الآباء والأبناء، يجعل الابن لا يثق بوالديه ولا يبوح لهما بأسراره الخاصة، بل إنه يفضل أن يأخذ معلوماته من الصحبة والإنترنت بدلا من الوالدين البعيدين عنه بحنانهما ورعايتهما.
ومع ضخامة حجم هذه الظاهرة إلا أن كثيرًا من الآباء لم ينتبهوا إلى خطورتها، معتقدين أنه ليس مطلوبا منهم أي شيء تجاه أبنائهم سوى توفير المسكن والملبس والإنترنت وألعاب التسلية، والتي ربما تشغل الفراغ لديهم ولكنها لا تُغني عن والديهم.
وعلاقة الحب لا يمكن أن تتحقق إلا بالتربية السليمة للأبناء التي تتطلب من الآباء حمايتهم بالتحاور والتشاور معهم، ومحاولة معرفة ما يجول بأفكارهم ومساعدتهم في حل مشاكلهم الخاصة والتقرّب والتودُد إليهم.
ولكن من المتسبب في هذه الظاهرة الآباء أم الأبناء؟ وما خطورة غياب الحوار الهادف بين الطرفين؟
وهنا يجدر استعراض بعض الأساليب الخاطئة في التربية والتعامل مع الطفل حتى نتجنبها ونُصحح مسارنا التربوي مع الأبناء.
1 – التربية بالشدة والصرامة:
من أنواع التربية الخاطئة والتي تهدم ولا تبني تلك التربية التي تُبنى على العنف والشدة والتسلط،وقد يزداد الأمر سوءاً إذا اقترن ذلك بالضرب.
2 – التربية بالتدليل والتسامح الزائد:
على المربي أن يكون حكيماً في تربيته، ولا تدفعه العاطفة الفطرية لتدليل ولده أو التساهل في تربيته؛ لأن التربية بالتدليل والتسامح لا تقل خطراً عن التربية بالشدة والتسلّط. فالتدليل الزائد يقلل فرصة حصول الطفل على الخبرات اللازمة لمواجهة الحياة وتحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات الصائبة.
3 – عدم مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء:
قد يكون هناك تفاوت واختلاف في الملكات والقدرات بين الأطفال حتى وإن كانوا أشقاء، وفي هذه الحالة يُلزم الآباء مراعاة هذه الفروق بينهم ومعاملة كل طفل بما يتناسب مع شخصيته وميوله وقدراته
وأخيراً: أيها الآباء إننا نمر في مرحلة تاريخية صعبة، مرحلة تتسم
بالتغير والتطور المذهل، مرحلة تتطلب منا إيجاد أنجع السبل التي تسهم
بشكل أو بآخر في خلق علاقة بناءة مع أبنائنا لتكون بمثابة جسر متين تعبر
عليه الأجيال القادمة بأمان.